الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)
.سورة المسد: .تفسير الآيات (1- 5): {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)}روي في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت عليه: {وأنذر عشيرتك الأقربين} [الشعراء: 214] قال: «يا صفية بنت عبد المطلب، ويا فاطمة بنت محمد لا أملك لكما من الله شيئاً سلاني من مالي ما شئتما» ثم صعد الصفا فنادى بطون قريش: «يا بني فلان، يا بني فلان» وروي أنه صاح بأعلى صوته: «يا صباحاه» فاجتمعوا إليه من كل وجه، فقال لهم: «أرأيتم لو قلت لكم إني أنذركم خيلاً بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي؟» قالوا: نعم، قال: «فإني نذير بين يدي عذاب شديد» فقال أبو لهب: تباً لك سائر اليوم، ألهذا، جمعتنا؟ فافترقوا عنه ونزلت السورة، و{تبت} معناه: خسرت، والتباب: الخسار والدمار، وأسند ذلك إلى اليدين من حيث اليد موضع الكسب والربح وضم ما يملك، ثم أوجب عليه أنه قد تب أي حتم ذلك عليه، ففي قراءة عبد الله بن مسعود: {تبت يدا أبي لهب وقد تب}، وأبو لهب: هو عبد العزى بن عبد المطلب، وهو عم النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن سبقت له الشقاوة، وقرأ ابن كثير وابن محيصن: {أبي لهْب}بسكون الهاء، وقرأ الباقون: بتحريك الهاء، ولم يختلفوا في فتحها في {ذات لهب}، وقوله تعالى: {ما أغنى عنه ماله وما كسب} يحتمل أن تكون {ما} نافية، ويكون الكلام خبراً عن أن جميع أحواله الدنياوية لم تغن عنه شيئاً حين حتم عذابه بعد موته، ويحتمل أن تكون {ما} استفهاماً على وجه التقرير أي أين الغناء الذي لماله ولكسبه؟ {وما كسب}: يراد به عرض الدنيا من عقار ونحوه، أو ليكون الكلام دالاً على أنه أتعب فيه نفسه لم يجئه عفوا لا بميراث وهبة ونحوه، وقال كثير من المفسرين: المراد ب {ما كسب} بنوه، فكأنه قال: {ما أغنى عنه ماله} وولده، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير ما كسب الرجل من عمل يده وإن ولد الرجل من كسبه»، وروي أن أولاد أبي لهب اختصموا عند ابن عباس فتنازعوا وتدافعوا، فقام ابن عباس ليحجز بينهم، فدفعه أحدهم، فوقع على فراشه، وكان قد كف بصره فغضب وصاح: أخرجوا عني الكسب الخبيث، وقرأ الأعمش وأبي بن كعب: {وما اكتسب}وقوله: {سيصلى ناراً ذات لهب} حتم عليه بالنار وإعلام بأنه يوافي على كفره، وانتزع أهل الأصول من هذه الآية تكليف ما لا يطاق، وأنه موجود في قصة أبي لهب، وذلك أنه مخاطب مكلف أن يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، ومكلف أن يؤمن بهذه السورة وصحتها، فكأنه قد كلف أن يؤمن، وأن يؤمن أنه لا يؤمن، قال الأصوليون ومتى ورد تكليف ما لا يطاق فهي أمارة من الله تعالى أنه قد حتم عذاب ذلك المكلف كقصة {أبي لهب}، وقرأ الجمهور{سيَصلى} بفتح الياء، وقرأ ابن كثير والحسن وابن مسعود بضمها، وقوله تعالى: {وامرأته حمالة الحطب} هي أم جميل أخت أبي سفيان بن حرب عمة معاوية بن أبي سفيان، وعطف قوله: {وامرأته} على المضمر المرفوع دون أن يؤكد الضمير بسبب الحائل الذي ناب مناب التأكيد، وكانت أم جميل هذه مؤذية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين بلسانها وغاية قدرتها، وقال ابن عباس: كانت تجيء بالشوك فتطرحه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم وطريق أصحابه ليعقرهم، فلذلك سميت {حمالة الحطب}، وعلى هذا التأويل، ف {حمالة} معرفة يراد به الماضي، وقيل إن قوله: {حمالة الحطب} استعارة لذنوبها التي تحطبها على نفسها لآخرتها، ف {حمالة} على هذا نكرة، يراد بها الاستقبال، وقيل هي استعارة لسعيها على الدين والمؤمنين، كما تقول: فلان يحطب على فلان وفي حبل فلان، فكانت هي تحطب على المؤمنين وفي حبل المشركين،.سورة الإخلاص: .تفسير الآيات (1- 4): {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)}قرأ عمر بن الخطاب وابن مسعود والربيع بن خيثم: {قل هو الله أحد الواحد الصمد}، وروى أبي بن كعب أن المشركين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسب ربه تعالى عما يقول الجاهلون فنزلت هذه السورة، وروى ابن عباس أن اليهود دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد صف لنا ربك وانسبه فإنه وصف نفسه في التوراة ونسبها، فارتعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى خر مغشياً عليه ونزل عليه جبريل بهذه السورة، وقال أبو العالية قال قتادة: الأحزاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم: انسب لنا ربك، فأتاه الوحي بهذه السورة، و{أحد} معناه: فرد من جميع جهات الوحدانية، ليست كمثله شيء، وهو ابتداء و{الله} ابتداء ثان و{أحد} خبره، والجملة خبر الأول، وقيل: {هو} ابتداء و{الله} خبره و{أحد} بدل منه، وحذف أبو عمرو التنوين من {أحد} لالتقاء الساكنين {أحدُ الله} وأثبتها الباقون مكسورة للالتقاء، وأما وفقهم كلهم فبسكون الدال، وقد روي عن أبي عمرو: الوصل بسكون الدال، وروي عنه أيضاً تنوينها، و{الصمد} في كلام العرب السيد الذي يصمد إليه في الأمور ويستقل بها، وأنشدوا: [الطويل]وبهذا تفسر هذه الآية لأن الله جلت قدرته هو موجود الموجودات، وإليه تصمد به قوامها، ولا غني بنفسه إلا هو تبارك وتعالى، وقال كثير من المفسرين: {الصمد} الذي لا جوف له، كأنه بمعنى المصمت، وقال الشعبي: هو الذي لا يأكل ولا يشرب، وفي هذا التفسير كله نظر، لأن الجسم في غاية البعد عن صفات الله تعالى. فما الذي تعطينا هذه العبارات، و{الله الصمد} ابتداء وخبر، وقيل: {الصمد} نعت، والخبر فيما بعد، وقوله تعالى: {لم يلد ولم يولد} رد على إشارة الكفار في النسب الذي سألوه، وقال ابن عباس: تفكروا في كل شيء ولا تتفكروا في ذات الله تعالى.قال القاضي أبو محمد: لأن الأفهام تقف دون ذلك حسيرة، والمؤمنون يعرفون الله تعالى بواجب وجوده وافتقار كل شيء إليه واستغنائه عن كل شيء وينفي العقل عنه كل ما لا يليق به تبارك وتعالى، وأن ليس كمثله شيء، وكل ما ذكرته فهو في ضمن هذه السورة الوجيزة البليغة، قوله تعالى: {ولم يكن له كفؤاً أحد} معناه: ليس له ضد ولا ند ولا شبيه، والكفأ والكفؤ والكفاء النظير، وقرأ {كُفؤاً} بضم الكاف وهمز مسهل نافع والأعرج وأبو جعفر وشيبة، وقرأ بالهمز عاصم وأبو عمرو بخلاف عنه، وقرأ حمزة: {كفْواً} بالهمز وإسكان الفاء وروي عن نافع {كفاً} بفتح الفاء وبغير همز. .سورة الفلق: .تفسير الآيات (1- 5): {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)}الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والمراد هو آحاد أمته، وقال ابن عباس وابن جبير والحسن والقرظي وقتادة ومجاهد وابن زيد: {الفلق}: الصبح، كقوله تعالى: {فالق الإصباح} [الأنعام: 96] وقال ابن عباس أيضاً وجماعة من الصحابة والتابعين وغيرهم: {الفلق}: جب في جهنم ورواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله: {من شر ما خلق} يعم كل موجود له شر، وقرأ عمرو بن عبيد وبعض المعتزلة القائلين: بأن الله لم يخلق الشر {من شرٍّ ما خلق} على النفي وهي قراءة مردودة مبنية على مذهب باطل، الله خالق كل شيء، واختلف الناس في: {الغاسق إذا وقب} فقال ابن عباس ومجاهد والحسن: الغاسق: الليل و{وقب} معناه: أظلم ودخل على الناس، وقال الشاعر [ابن قيس الرقيات]: [المديد]وقال محمد بن كعب: الغاسق إذا وقب النهار دخل في الليل، وقال ابن زيد عن العرب، الغاسق سقوط الثريا، وكانت الأسقام والطاعون تهيج عنده، وقال عليه السلام: «النجم هو الغاسق» فيحتمل أن يريد الثريا، وقال لعائشة وقد نظر إلى القمر: «تعوذي بالله {من شر غاسق إذا وقب}، فهذا هو»، وقال القتبي وغيره: هو البدر إذا دخل في ساهور فخسف، قال الزهري في الغاسق إذا وقب: الشمس إذا غربت، و{وقب} في كلام العرب: دخل، وقد قال ابن عباس في كتاب النقاش: الغاسق إذا وقب: ذكر الرجل، فهذا التعوذ في هذا التأويل نحو قوله عليه السلام وهو يعلم السائل التعوذ: «قل أعوذ بالله من شر سمعي وشر قلبي وشر بصري وشر لساني وشر منيي»، ذكر الحديث جماعة و{النفاثات في العقد} السواحر، ويقال إن الإشارة أولاً إلى بنات لبيد بن الأعصم اليهودي كن ساحرات وهن اللواتي سحرن مع أبيهم النبي صلى الله عليه وسلم وعقدن له إحدى عشرة عقدة، فأنزل الله تعالى إحدى عشرة آية بعد العقد، هي المعوذتان، فشفى الله النبي صلى الله عليه وسلم، والنفث شبه النفخ دون تفل ريق، وهذا النفث هو على عقد تعقد في خيوط ونحوها على اسم المسحور فيؤذى بذلك، وهذا الشأن في زمننا موجود شائع في صحراء المغرب، وحدثني ثقة أنه رأى عند بعضهم خيطاً أحمر قد عقد فيه عقد على فصلان فمنعت بذلك رضاع أمهاتها، فكان إذا حل جرى ذلك الفصيل إلى أمه في الحين فرضع أعاذنا الله من شر السحر والسحرة بقدرته، وقرأ عبد الله بن القاسم والحسن وابن عمر: {النافثات في العقد}، وقوله تعالى: {ومن شر حاسد إذا حسد} قال قتادة: من شر عينه ونفسه، يريد بالنفس السعي الخبيث والإذاية كيف قدر لأنه عدو مجد ممتحن، وقال الشاعر: وعين الحاسد في الاغلب لاقعة نعوذ بالله من شرها ولا أعدمنا الله حسده: والحسد في الاثنتين اللتين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حسد مستحسن غير ضار» وانما هو باعث على خير وهذه السورة خمس آيات فقال بعض الحذاق وهي مراد الناس بقولهم للحاسد اذا نظر إليهم الخمس على عينيك وقد غلطت العامة في هذا فيشيرون في ذلك بالأصابع لكونها خمسة وامال أبو عمرو {حاسد} والباقون بفتح الحاء وقال الحسن بن الفضل ذكر الله تعالى الشر في هذه السورة ثم ختمها بالحسد ليظهر أنه أخس طبع. .سورة الناس: .تفسير الآيات (1- 6): {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)}{الوسواس} اسم من أسماء الشيطان، وهو أيضاً ما توسوس به شهوات النفس وتسوله، وذلك هو الهواء الذي نهي المرء عن اتباعه وأمر بمعصيته والغضب الذي وصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بطرحه وتركه حين قال له رجل أوصني، فقال: لا تغضب، قال زدني: قال: لا تغضب، وقوله: {الخناس} معناه: على عقبه المستتر أحياناً وذلك في الشيطان متمكن إذا ذكر العبد وتعوذ وتذكر فأبصر كما قال تعالى: {إن الذين إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} [الأعراف: 201]، وإذا فرضنا ذلك في الشهوات والغضب ونحوه فهو يخنس يتذكر النفس اللوامة بلمة الملك وبأن الحياء يردع والإيمان يردع بقوة فتخنس تلك العوارض المتحركة وتنقمع عند من أعين بتوفيق، وقد اندرج هذان المعنيان من الوسواس في قوله تعالى: {من الجنة والناس} أي من الشياطين ونفس الإنسان، ويظهر أيضاً أن يكون قوله: {والناس}، يراد به من يوسوس بخدعه من البشر، ويدعو إلى الباطل، فهو في ذلك كالشيطان، وكلهم قرأ {الناس} غير ممالة، وروى الدوري عن الكسائي أنه أمال النون من {الناس} في حال الخفض ولا يميل في الرفع والنصب، وقالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه جمع كفيه ونفث فهيما وقرأ: {قل هو الله أحد} [الإخلاص: 1] والمعوذتين، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، فيبدأ برأسه ووجهه وما أقبل من جسده، ففعل ذلك ثلاثاً، وقال قتادة رحمه الله: إن من الناس شياطين ومن الجن شياطين، فتعوذوا بالله من شياطين الإنس والجن.
|